بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير قوله تعالى: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ)
قال تعالى: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ
أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ
يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ
سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ
الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) سورة التوبة
_________________
القول في
تأويل قوله : إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ
كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا
تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)
قال أبو
جعفر: هذا إعلامٌ من الله أصحابَ رسوله صلى الله عليه وسلم أنّه المتوكّل بنصر
رسوله على أعداء دينه وإظهاره عليهم دونهم، أعانوه أو لم يعينوه، وتذكيرٌ منه لهم
فعلَ ذلك به، وهو من العدد في قلة، والعدوُّ في كثرة، فكيف به وهو من العدد في
كثرة، والعدو في قلة؟
يقول لهم جل ثناؤه: إلا تنفروا، أيها المؤمنون، مع رسولي إذا استنفركم فتنصروه، فالله ناصره ومعينه على عدوّه ومُغْنِيهِ عنكم وعن معونتكم ونصرتكم، كما نصره (إذ أخرجه الذين كفروا)، بالله من قريش من وطنه وداره (ثاني اثنين)، يقول: أخرجوه وهو أحد الاثنين، أي: واحد من الاثنين، وكذلك تقول العرب: " هو ثاني اثنين " يعني: أحد الاثنين، و " ثالث ثلاثة، ورابع أربعة "، يعني: أحد الثلاثة، وأحد الأربعة.
وإنما عَنى جل ثناؤه بقوله: (ثاني اثنين)، رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه، لأنهما كانا اللذيْن خرجَا هارِبَيْن من قريش إذ هَمُّوا بقتلِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم واختفيا في الغار.
وقوله: (إذ هما في الغار)، يقول: إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر رحمة الله عليه، في الغار ـ و " الغار "، النقب العظيم يكون في
الجبل ـ.
(إذ يقول لصاحبه)، إذ يقول رسول الله لصاحبه أبي بكر، (لا تحزن)، وذلك
أنه خافَ من الطَّلَب أن يعلموا بمكانهما، فجزع من ذلك، فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " لا تحزن "، لأن الله معنا والله ناصرنا، فلن يعلم
المشركون بنا ولن يصلوا إلينا.
يقول جل ثناؤه: فقد نصره الله على عدوه وهو بهذه الحال من الخوف وقلة
العدد، فكيف يخذله ويُحْوِجه إليكم، وقد كثَّر الله أنصارَهُ وعدَدَ جنودِه؟
- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إلا
تنصروه فقد نصره الله)، الآية، قال: فكان صاحبَه أبو بكر، وأما " الغار
"، فجبل بمكة يقال له: " ثَوْر ".
- حدثني يعقوب بن إبراهيم بن جبير الواسطي قال، حدثنا عفان وحَبَّان
قالا حدثنا همام، عن ثابت، عن أنس، أن أبا بكر رضي الله عنه حدَّثهم قال: بينا أنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وأقدامُ المشركين فوق رؤوسنا، فقلت: يا
رسول الله، لو أن أحدهم رفع قَدَمَه أبصرنا! فقال: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله
ثالثهما؟
- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن
الزهري: (إذ هما في الغار)، قال: في الجبل الذي يسمَّى ثورًا، مكث فيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثلاثَ ليالٍ.
- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح
قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى)،
وهي: الشرك بالله (وكلمةُ الله هي العليا)، وهي: لا إله إلا الله.
وأما قوله: (والله عزيز حكيم)، فإنه يعني: (والله عزيز)، في انتقامه
من أهل الكفر به، لا يقهره قاهر، ولا يَغْلِبُهُ غالب، ولا ينصر من عاقَبَهُ ناصر، (حكيم)، في تدبيره خلقَه، وتصريفه إياهم في مشيئته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليقات
إرسال تعليق